وحدثني أبي بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ، فأخذ الكرزن وضرب به رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرا فصل الحجر ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله مم تضحك ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحك من قوم يؤتى بهم من المشرق في الكبول يساقون إلى الجنة وهم كارهون
فحدثني عاصم بن عبد الله الحكمي ، عن عمر بن الحكم قال كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب يومئذ بالمعول فصادف حجرا صلدا ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منه المعول وهو عند جبل بني عبيد ، فضرب ضربة فذهبت أولها برقة إلى اليمن ، ثم ضرب أخرى فذهبت برقة إلى الشام ، ثم ضرب أخرى فذهبت برقة نحو المشرق وكسر الحجر عند الثالثة . فكان عمر بن الخطاب يقول والذي بعثه بالحق لصار كأنه سهلة وكان كلما ضرب ضربة يتبعه سلمان ببصره فيبصر عند كل ضربة برقة فقال سلمان يا رسول الله رأيت المعول كلما ضربت به أضاء ما تحته . فقال أليس قد رأيت ذلك ؟ قال نعم . قال النبي صلى الله عليه وسلم إني رأيت في الأولى قصور الشام ، ثم رأيت في الثانية قصور اليمن ، ورأيت في الثالثة قصر كسرى الأبيض بالمدائن . وجعل يصفه لسلمان فقال صدقت والذي بعثك بالحق إن هذه لصفته وأشهد أنك لرسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه فتوح يفتحها الله عليكم بعدي يا سلمان لتفتحن الشام ، ويهرب هرقل إلى أقصى مملكته وتظهرون على الشام فلا ينازعكم أحد ، ولتفتحن اليمن ، وليفتحن هذا المشرق ويقتل كسرى بعده . قال سلمان فكل هذا قد رأيت .
قالوا : وكان الخندق ما بين جبل بني عبيد بخربى إلى راتج ، فكان للمهاجرين من ذباب إلى راتج ، وكان للأنصار ما بين ذباب إلى خربى ، فهذا الذي حفر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وشبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية وهي كالحصن . وخندقت بنو عبد الأشهل عليها فيما يلي راتج إلى خلفها ، حتى جاء الخندق من وراء المسجد وخندقت بنو دينار من عند خربى إلى موضع دار ابن أبي الجنوب اليوم . ورفع المسلمون النساء والصبيان في الآطام ورفعت بنو حارثة الذراري في أطمهم وكان أطما منيعا ، وكانت عائشة يومئذ فيه . ورفع بنو عمرو بن عوف النساء والذرية في الآطام وخندق بعضهم حول الآطام بقباء وحصن بنو عمرو بن عوف ولفها ، وخطمة وبنو أمية ، ووائل وواقف فكان ذراريهم في آطامهم .
فحدثني عبد الرحمن بن أبجر عن صالح بن أبي حسان قال أخبرني شيوخ بني واقف أنهم حدثوه أن بني واقف جعلوا ذراريهم ونساءهم في أطمهم وكانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يتعاهدون أهليهم بأنصاف النهار بإذن النبي صلى الله عليه وسلم فينهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ألحوا أمرهم أن يأخذوا السلاح خوفا عليهم من بني قريظة . فكان هلال بن أمية يقول أقبلت في نفر من قومي وبني عمرو بن عوف ، وقد نكبنا عن الجسر وصفنة فأخذنا على قباء ، حتى إذا كنا بعوس إذا نفر منهم فيهم نباش بن قيس القرظي ، فنضحونا بالنبل ساعة ورميناهم بالنبل وكانت بيننا جراحة ثم انكشفوا على حاميتهم ورجعنا إلى أهلنا ، فلم نر لهم جمعا بعد .
وحدثني أفلح بن سعيد عن محمد بن كعب قال كان الخندق الذي خندق رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين جبل بني عبيد إلى راتج وهذا أثبت الأحاديث عندنا . وذكروا أن الخندق له أبواب فلسنا ندري أين موضعها . فحدثني محمد بن زياد بن أبي هنيدة عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن جابر بن عبد الله ، قال أصاب الناس كدية يوم الخندق فضربوا فيها بمعاولهم حتى انكسرت فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بماء فصبه عليها فعادت كثيبا . قال جابر بن عبد الله : فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحفر ورأيته خميصا ، ورأيت بين عكنه الغبار فأتيت امرأتي فأخبرتها ما رأيت من خمص بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت والله ما عندنا شيء إلا هذه الشاة ومد من شعير . قال جابر فاطحني وأصلحي . قالت فطبخنا بعضها وشوينا بعضها ، وخبز الشعير . [ قال جابر ] : ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكثت حتى رأيت أن الطعام قد بلغ فقلت : يا رسول الله قد صنعت لك طعاما فأت أنت ومن أحببت من أصحابك . فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في أصابعي ، ثم قال أجيبوا ، جابر يدعوكم فأقبلوا معه فقلت : والله إنها الفضيحة فأتيت المرأة فأخبرتها فقالت أنت دعوتهم أو هو دعاهم ؟ فقلت : بل هو دعاهم قالت دعهم هو أعلم . قال فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر أصحابه فكانوا فرقا ، عشرة عشرة ثم قال لنا : اغرفوا وغطوا البرمة وأخرجوا من التنور الخبز ثم غطوه . ففعلنا فجعلنا نغرف ونغطي البرمة ثم نفتحها ، فما نراها نقصت شيئا ، ونخرج الخبز من التنور ثم نغطيه فما نراه ينقص شيئا . فأكلوا حتى شبعوا ، وأكلنا وأهدينا ، فعمل الناس يومئذ كلهم والنبي صلى الله عليه وسلم . وجعلت الأنصار ترتجز وتقول
نحن الذين بايعوا محمدا
على الجهاد ما بقينا أبدا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم
اللهم لا خير إلا خير الآخره
فاغفر للأنصار والمهاجره