((وَاللَّيْلِ))، أي قسماً بالليل ((إِذَا يَغْشَى))، أي يحيط بظلمته على الأشياء، وتخصيص بعض الأقسام بأمور خاصة من باب التفنن في البلاعة.
((وَ)) قسماً بـ((النَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى))، أي ظهر وبان وأضاء.
((وَ)) قسما بـ((مَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى))، "ما" إما موصولة، أي الذي خلق، والمراد به الله سبحانه، وإنما جيء بـ"ما" دون "من" لأن "من" في الغالب يستعمل للبشر ونحوهم، وإما مصدرية أي قسماً بخلق الصنفين.
((إِنَّ سَعْيَكُمْ)) أيها الناس في الأمور وتطلبكم للأشياء ((لَشَتَّى))، جمع شتيت كمرضى جمع مريض، أي إنه مختلف، فمن طالبِ دنيا ومن طالب آخرة، والحلف على ذلك باعتبار ما يعقبه من النتائـج، أو لتبديل أوهام الزاعمين بأن السعي ليس إلا للدنيا فحسب إذ ليس هناك آخرة.
((فَأَمَّا مَن أَعْطَى)) المال في سبيل الله ((وَاتَّقَى)) الكفر والمعاصي،
((وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى)) أي بالكلمة الحسنى، وهي الشهادتان، حيث أن المقام كان في الإعطاء تَقَدُّم، ثم ذكر التقوى لأنه من أقسام الإعطاء، ثم جاء دور العقيدة بعد ذين الأمرين،
((فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى))، أي سنهوِّن عليه الطريقة اليسرى، وهي طريقة الطاعة، أو نيسره للحياة اليسرى، أي الأسهل، فإن من تبع نهج الإسلام سهلت عليه الأمور لما في الإسلام من المناهج السهلة الموجبة للسعادة والرفاه، يقال: "يسره" إذا سهل عليه، و"يسرى" مؤنث "أيسر" بمعنى الأسهل.
((وَأَمَّا مَن بَخِلَ)) بماله، ولم ينفقه في سبيل الله، ((وَاسْتَغْنَى))، أي طلب الغنى بجمع المال والبخل من إنفاقه،
((وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى))، أي بالكلمة الحسنة، وهي كلمة الشهادتين، أو المراد في الموضعين "العدة الحسنى"، وهي الثواب والجنة،
((فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)) أي نهون عليه الطريقة الأعسر، وهي طريقة الكفر، وهذا على سبيل المزاوجة في الكلام من قبيل (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه)، إذ الله سبحانه لا يسهل على أحد سبيل العسر، وإنما المراد أنه سبحانه يخلي بينه وبين ما يعمل.
((وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ)) أي لا يفيده ماله الذي بخل به ((إِذَا تَرَدَّى))، أي هلك وسقط في الهاوية.
((إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى))، أي إن اللازم على الله سبحانه - بقاعدة اللطف - أن ينصب الأدلة، ويرسل الرسل، أما الاتباع والاهتداء فعلى الناس من شاء اهتدى، ومن شاء بقي على الضلالة.
((وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى))، أي الدنيا، فمهن اهتدى منحناه السعادة في الدارين، ومن بقي على كفره حُرِّم من خير الدنيا وسعادة والآخرة.
((فَأَنذَرْتُكُمْ)) أيها الناس ((نَارًا تَلَظَّى))، أي تتلظى، حذفت إحدى تاءيه لقاعدة اجتماع التاءين على رأس المضارع، ومعنى "التلظي" الملتهب والمتوقد، وهذه النار عذابها أشد.
((لَا يَصْلَاهَا))، أي لا يدخلها ملازماً لها ((إِلَّا الْأَشْقَى))، أي الأكثر شقوة، وهو الكافر مقابل العاصي الذي هو أقل شقوة، فإنه وإن دخل النار لكنه لا يلازمها.
((الَّذِي كَذَّبَ)) بآيات الله تعالى وكفر به، ((وَتَوَلَّى))، أي أعرض عن الحق.
((وَسَيُجَنَّبُهَا)) أي سيجنب النار، ويجعل منها على جانب، ودخول "السين" لكون القيامة في المستقبل، ((الْأَتْقَى))، أي الأكثر تقوىً، وهو المؤمن المطيع، وأما المؤمن غير المطيع فإنه يدخل فيها وإن خرج بعد مدة.
((الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ))، أي ينفق ماله في سبيل الله تعالى ((يَتَزَكَّى))، أي يطلب الزكاة والطهارة بإعطاء ماله، فإن الإنفاق يطهر القلب عن الرذائل.
((وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى))، أي لا يعطي - الأتقى - ماله لأن لأحد عليه إحسان يريد بهذا الإنفاق جزاء ذلك المحسن، و"من" لنفي الجنس، والمراد أنه لا يعطي جزاء الإحسان، وإنما عطاؤه لوجه الله سبحانه.
((إِلَّا ابْتِغَاء))، أي طلب رضى ((وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى)) أي رضاه سبحانه، وإنما أضيف إلى "وجه" لأنه الذي يظهر عليه أثر الرضا في الإنسان، فهو من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، والاستثناء منقطع، والتقدير لا يعطي ماله جزاء بل إنما يعطي قربة إلى الله سبحانه.
((وَلَسَوْفَ)) - في الآخرة - يعطيه الله من الثواب والأجر ما به ((يَرْضَى))، فقد ورد ما معناه أن الإنسان يعطى في الجنة بما لم يخطر على قلبه كماً وكيفاً.